سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثلاثون : لطائف حول العيدين الكريمين – أسرار ودلالات ، للدكتور خالد بدير
سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثلاثون : لطائف حول العيدين الكريمين – أسرار ودلالات ، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الدرس كما يلي:
سلسلة الدروس الرمضانية
الدرس الثلاثون: لطائف حول العيدين الكريمين – أسرار ودلالات
إن من ينظر إلى العيدين الكريمين يجد أن بينهما عدة لطائف وعوامل مشتركة؛ وإنما شرعها الإسلام وكررها في كل عيد لأهميتها وفضلها ولأنها تغرس معاني سامية في النفس ؛ وتتمثل هذه العوامل المشتركة فيما يلي:-
أولاً : أن الله جعل عيداً لأول نزول القرآن وعيداً لآخره
فقد بدأ نزول القرآن في ليلة القدر وأعقبه بعيد الفطر !! قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ( البقرة : 185 )؛ وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } ( سورة القدر ).
وختم نزوله بحلاله وحرامه وإتمام النعمة في يوم عرفه وأعقبه بعيد الأضحى . فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا؛ قَالَ أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا }[المائدة:5]. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.”(متفق عليه)؛ ولذلك فهو يوم عيد ؛ فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ؛ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ.” (أحمد والترمذي أبو داود والنسائي والحاكم وصححه). فكأن الله جعل عيدا لأول نزول القرآن وعيدا لآخر نزوله ! وهذا يدل على مكانة القرآن الكريم وفضله وتعهده وأثره في النفوس؛ ولا سيما في العيدين الكريمين !!
ثانياً : تكريم الفقراء في العيدين الكريمين
فقد أكد الشارع الحكيم على سعادة وفرحة الفقراء في العيدين الكريمين وإدخال السرور عليهم ؛ ففي عيد الفطر فرضت زكاة الفطر طعمة للفقراء والمساكين وإغناءً لهم عن السؤال في هذا اليوم ؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ.” ( أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه).
وتكريما للفقير وإعلاءً من شأنه أنه أوجب عليه زكاة الفطر كالغني تماماً ؛ لأنها تجب على من عنده قوت يكفيه يوم وليلة العيد ؛ وهو بلا شك تجتمع عنده زكوات الحي كله ؛ فأصبحت واجبة عليه كالغني تماماً ؛ فيخرجها لأخيه الفقير ؛ فإذا كان الفقير يمد يده طوال العام آخذاً ؛ فقد رفع الإسلام شأنه أن يمد يده في هذا اليوم معطياً لا آخذاً ؛ لتكتمل فرحة وسعادة وبهجة العيد في قلبه وقلب أولاده !!
وفي عيد الأضحى شرعت الأضحية وأصبحت سنة مؤكدة؛ ومن الفقهاء من أوجبها على القادر لأهميتها وفضلها ؛ لما فيها من إغناءٍ وإطعامٍ للفقراء وإدخال البهجة والسرور عليهم في هذا اليوم ؛ فإن فيهم من لا يأكل هذا اللحم من العام إلى العام؛ وهذا تنفيذ لأمر الله المكرر والمؤكد في القرآن ؛ حيث قال المولى – جل في علاه – عن الأضاحي: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ }(الحج: 28) . وقال: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } ( الحج: 36 ).
وإذا كان الإسلام رفع شأن الفقير أن يدفع زكاة الفطر تكريماً له؛ فقد رفع شأنه في أخذه الأضحية؛ حيث يستوي هو والغني في الأخذ من الأضحية ولا سيما أقارب المضحي من الأغنياء والجيران؛ فكرم الفقير معطياً كالغني في عيد الفطر ؛ وآخذاً كالغني أيضاً في عيد الأضحى!!
وهذه كلها مبادئ إسلامية رفيعة؛ فيها البر والإحسان والتعاون والتآلف والتواد والتراحم؛ وكلها مظاهر من التكريم والفرحة والبهجة وإدخال السرور على الفقراء والمساكين في العيدين الكريمين؛ فما أجمل هذا الدين الحنيف !!
إن العيد في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبه ورحمة وعدالة من وحي السماء، عنوانها الزكاة والإحسان، والتوسعة.
يتجلى العيد على الغني المترف، فينسى تعلقه بالمال، وينزل من عليائه متواضعا للحق وللخلق، ويذكر أن كل من حوله إخوانه وأعوانه، فيمحو إساءة عام بإحسان يوم.
يتجلى العيد على الفقير المترب, فيطرح هموهه، ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامه، وينسى مكاره العام ومتاعبه، وتمحو بشاشة العيد آثار الحقد والتبرم من نفسه، وتنهزم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء.
ثالثاً : شعيرة التكبير في العيدين
فالله- عز وجل – أمرنا بالتكبير عند اكتمال عدة رمضان ورؤية هلال شوال ( عيد الفطر ) قال تعالى: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185) .
وفي الحديث عن الأضاحي في عيد الأضحى أمرنا الله بالتكبير فقال: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (الحج: 37)
فالتكبير في العيدين من شعارات المسلمين، وسنة من سنن سيد المرسلين، وعلامة من علامات الفرحة لدى الموحدين، وابتهاج بقدوم العيدين، وفيه قمع وغيظ للكفار والمنافقين.
فالإنسان في أيام العيد يكون مشغولاً بشهوات الأكل والشرب واللعب والمرح ؛ ومع ذلك أمر بالتكبير وأن الله أكبر من كل شئ فلا ننساه في كل وقت وحين حتى أيام العيد . ” قال بعض الأكابر : من أعظم أسرار التكبير في هذه الأيام أن العيد محل فرح وسرور ؛ وكان من طبع النفس تجاوز الحدود لما جبلت عليه من الشره تارة غفلة ؛ وتارة بغياً ؛ شرع فيه الإكثار من التكبير لتذهب من غفلتها وتكسر من سورتها.” (فيض القدير ؛ للمناوي).
رابعاً: شكر الله
فالله أمرنا بالشكر في العيدين الكريمين على إتمام فريضتين عظيمتين وهما : الصيام والحج . ففي الصيام قال تعالى: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185) .
وفي الحج عند الحديث عن الأضاحي قال: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الحج: 36)؛ أي: تشكرون الله على ما أنعم عليكم من الصيام والقيام والحج وجميع الطاعات.
قال ابن كثير : ” وقوله: { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي: إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه، وترك محارمه، وحفظ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك.”
قال العلماء : ” شُكر الطاعة طاعة مثلها ” ، فشكر الصيام صيام مثله وهكذا ، بمعنى أنك صمت شهر رمضان والصيام لم ينته بعد، فهناك ست من شوال، والاثنين والخميس وغيرها، ولذلك هناك فرق بين الشكر والحمد، فالحمد باللسان والشكر بالعمل ، قال تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }.( سبأ : 13)، فالشكر يكون من جنس النعمة التي أنعم الله بها عليك، فإذا تكاسل العبد عن الطاعة فهذا يكون دليل على عدم قبول العمل عند الله، وإذا داوم عليها وثبتها فهذا دليل على قبولها عند الله، وكان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم – المداومة على الأعمال الصالحة، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ”. (مسلم)، وأحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ” أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ”.( متفق عليه)، وقَالَت عَائِشَةَ – رضي الله عنها -: ” كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً “( البخاري ومسلم).
خامساً: ملازمة تقوى الله
فقد شرع الصيام والحج من أجل تحقيق تقوى الله عز وجل؛ ففي الصيام قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }( البقرة : 183)، فالغاية منه التقوى، وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فمن صام ولم يحقق التقوى فلا صيام له، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ ؛ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ “. ( ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرطهما.).
وفي الحج قال تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (197)؛ وقال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج: 32). وقال عن الأضاحي: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ }(الحج: 37)
فالحج شرع لتحقيق التقوى ولتمتنع عن الرفث والفسوق والجدال؛ إن فعلت ذلك رجعت من ذنوبك كأنك ولدت من جديد ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”. ( متفق عليه ). وبمفهوم المخالفة من ساءت أخلاقه ولم يعصم نفسه من الرفث والفسوق والجدال فلا غفران ولا حج له !!!
فما أجمل تجمل العباد بلباس الزينة ظاهراً ؛ ولباس التقوى باطناً في العيدين الكريمين !!
سادساً : العيدان الكريمان عقب فريضتين عظيمتين
فمن ينظر إلى العيدين الكريمين يجد أنهما شرعا عقب فريضتين عظيمتين وهما الصيام والحج .
فعيد الفطر شرع بعد إتمام عدة صيام رمضان؛ فهو يوم الفرحة والبهجة والسرور ؛ وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الفرحة والبهجة بقوله: ” لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ” ( متفق عليه ).
وعيد الأضحى شرع بعد فريضة عظيمة ألا وهي فريضة الحج؛ فعودة الحجاج من الأراضي المقدسة إلى بلادهم وأسرهم بعد أداء الفريضة فرحة ما بعدها فرحة وبهجة ما بعدها بهجة !!
ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كل واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها الخطير في الروحانيات، ولها خطرها الجليل في الاجتماعيات، ولها ريحها المهابة بالخير والإحسان والبر والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية التي لا تكون الأمة صالحة للوجود، نافعة في الوجود إلا بها.
ولعل سائل يسأل : لماذا جاء العيدان بعد الصيام والحج خاصة ؟!!
والجواب : أن هاتين الفريضتين لا يتكرران إلا في كل عام مرة؛ ولهما وقت محدد يشمل جميع الأفراد في هذا التوقيت المحدد ؛ بخلاف الصلاة تتكرر كل يوم؛ والزكاة مرتبطة بحول كل فرد !!
فجاء عيد الفطر بعد الصيام لتعم الفرحة جميع الأفراد ؛ وجاء عيد الأضحى أيضا بعد فريضة الحج لتعم الفرحة جميع الأفراد كذلك!!
هذه بعض معاني العيد السامية كما نفهمها من الإسلام، وكما يحققها المسلمون الصادقون؟ فأين نحن اليوم من هذه الأعياد؟ وأين هذه الأعياد منا؟ وما نصيبنا من هذه المعاني؟ وأين آثار العبادة من آثار العادة في أعيادنا؟!!
حفظ الله مصر من كل مكروه وسوء ؛ وجعلها أمنا أمانا رخاء وسائر بلاد المسلمين؛؛؛؛
وكل عام وأنتم بخير؛؛؛؛؛
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي